السؤال : أصوم كل يوم اثنين وخميس صيام تطوعاً ، وحدث إنه في ليلة من الليالي تسحرت ونمت دون أن أشرب وبعد الفجر بساعة قمت من النوم وأنا شديد العطش فشربت ، وأكملت الصيام إلى الليل ، مع العلم أنني أعلم أنه قد مضى على الفجر ساعة ، هل الصيام صحيح أم لا ؟ وإن كان لا فهل يجب عليّ كفارة؟
الجواب :
الحمد لله
"الصيام ليس بصحيح ، لأن الصيام لا بد أن يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، لقول الله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) .
وعلى هذا ؛ فليس لك أجر في هذا اليوم الذي صمته ، لعدم موافقته الشرع ، وليس عليك في ذلك إثم ، لأن صوم النفل يجوز للإنسان أن يقطعه ، وليس عليك كفارة أيضاً ، والكفارة لا تجب في أي صوم كان حتى في الفرض إلا إذا جامع الإنسان زوجته في نهار رمضان ، وهما ممن يجب عليهما الصوم ، ففي هذه الحال تجب الكفارة عليه وعليها إن طاوعت ، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ، وأما إذا كان الزوج والزوجة لا يجب عليهما الصيام مثل أن يكونا مسافرين في رمضان وجامعها فلا حرج عليه ولا عليها ، لأن المسافر يحل له أن يفطر ، ولكن عليهما قضاء ذلك اليوم إذا رجع من السفر ، حتى لو فرض أنهما كانا صائمين في ذلك اليوم وهما مسافران سفراً يبيح لهما الفطر ثم جامعها فلا حرج عليهما في ذلك ، وليس عليهما كفارة ، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم الذي أفطراه " انتهى .
السؤال : من منطلق حبي لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وابتغاء مرضاة ربي ، أريد أن أخرج أحدا من الناس ليؤدي فريضة الحج عن أحد الصحابة ، فهل هذا جائز ؟ وإن أمكن هل لكم بالتكرم بتزويدي بأسماء صحابة لم يتمكنوا من أداء فريضة الحج . أخبَرَني أحد الإخوان بأسماء بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ولكن كلهم ماتوا قبل سنة 6 للهجرة ، قبل فرض فريضة الحج . وهل ممكن أن أجعل جزءا من مالي وقفاً لوجه الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، وعن الرسل ؟ ليست رغبتي من فعله سوى ابتغاء رحمة ربي ، وأن يجمعني مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة ، ومع الأنبياء والمرسلين وتابعيهم إلى يوم الدين .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يزيدك حبا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ، وأن يكتب لك عظيم الأجر والثواب عليه .
واحرص أن يكون حبك هذا دافعا لك للاقتداء بهم واتباعهم .
وذلك يقتضي مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، وإخلاص القلب من شوائب الشرك والرياء والحسد والعجب والكبر ، وتذليل النفس لحسن العبودية لله تعالى.
ثانيا :
قد ورد من الأدلة الشرعية ما يدل على جواز إهداء ثواب بعض القربات إلى الأموات .
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم (12652) .
لكن إهداء ثواب الأعمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى صحابته الكرام ليس من المندوبات المستحبات ، وذلك لوجوه :
الأول : أننا لم نجد من السلف مَن فعل ذلك ، وكل خير في اتباع من سلف ، وكل شر في ابتداع من خلف ، بل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بأحد من أصحابه ، فقد ماتت زوجته خديجة وعمه حمزة قبل فريضة الحج ، ولم ينقل أنه كلَّف من يحج عنهما ، أو يتصدق عنهما ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
الثاني : قد ذكر الله تعالى في سورة الحشر فضيلة المهاجرين والأنصار ، ثم أثنى على من جاؤوا بعدهم بقوله : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10 . فلم يذكر شيئا غير الدعاء لهم ، مما يدل على أن الدعاء هو أفضل ما يهدى للمسلم ، لا الصلاة ، ولا الصدقة ، ولا الحج ، ولا غير ذلك من الأعمال .
الثالث : أن من يهدي الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفد شيئاً إلا أنه حرم نفسه من ذلك الثواب ولم ينفع النبي صلى الله عليه وسلم بشيء ، لأنه صلى الله عليه وسلم له مثل ثواب أمته في كل عمل صالح ، لأنه هو الذي دلهم عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة له عن إهداء الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم (ص/125-126) :
" لم يكن من عمل السلف أنهم يصلُّون ويصومون ويقرؤون القرآن ويهدون للنبي صلى الله عليه وسلم ، كذلك لم يكونوا يتصدقون عنه ، ويعتقون عنه ؛ لأن كل ما يفعله المسلمون فله مثل أجر فعلهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/213) :
" بعض المحبِّين للرَّسُول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يهدون إليه القُرَب ؛ كالختمة والفاتحة على روح محمَّد كما يقولون وما أشبه ذلك ، فنقول : هذا من البدع ومن الضلال .
أسألك أيُّها المُهْدي للرسول عبادة ، هل أنت أشدُّ حُبًّا للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من أبي بكر وعُمر وعُثمان وعليّ ؟
إن قال : نعم ، قلنا : كذبت ، ثم كذبت ، ثم كذبت ، ثم كذبت .
وإن قال : لا ، قلنا : لماذا لم يُهْدِ أبو بكر والخلفاء بعده للرسول صلى الله عليه وسلم ختمة ولا فاتحة ولا غيرها ؟ فهذا بدعة .
ثم إن عملك الآن وإن لم تُهْدِ ثوابه سيكون للرَّسول صلى الله عليه وسلم مثله ، فإذا أهديت الثَّوابَ ، فمعناه أنك حرمت نفسك من الثواب فقط ، وإلَّا فللرسول صلى الله عليه وسلم مثل عملك أهديت أم لم تُهْدِ " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/58-59) :
" لا يجوز إهداء الثواب للرسول صلى الله عليه وسلم، لا ختم القرآن ولا غيره ؛ لأن السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم لم يفعلوا ذلك ، والعبادات توقيفية ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) ، وهو صلى الله عليه وسلم له مثل أجور أمته في كل عمل صالح تعمله ؛ لأنه هو الذي دعاها إلى ذلك ، وأرشدها إليه ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) " انتهى .
السؤال: هل التصدق بقدر معين - قد يكون ثابتاً - في يوم معين من كل أسبوع ، ولكن بدون اعتقاد سنيتها ، أو على سبيل الإلزام ، ولكن فقط لإتاحة الظروف لمثل هذا ، يعتبر بدعة ؟
الجواب:
الحمد لله
تخصيص المسلم عبادة بزمان أو مكان معين لم يرد به الشرع ، من غير اعتقاد أن لذلك الزمان أو المكان فضل معين ، وإنما هو لِظَرفٍ يعرض له ، فيحتاج معه إلى هذا التخصيص ، ليس من البدعة في شيء ، ولا بأس به ، فالإحداث في الدين هو الذي قصد فيه المتعبد الإحداث والاختراع بإضافة ذلك إلى الشريعة والدين ، أو هو الذي يكون ذريعة مفضية إفضاء غالبا إلى ذلك ، فحينئذ يقع المسلم في البدعة .
قال الدكتور محمد حسين الجيزاني حفظه الله :
" للبدعة الشرعية قيودٌ ثلاثة تختص بها ، والشيء لا يكون بدعة في الشرع إلا بتوفرها فيه ، وهي : 1- الإحداث . 2- أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين . 3- ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي ، بطريق خاص أو عام .... ، وهذا المعنى يحصل بواحد من أصول ثلاثة : الأصل الأول : التقرب إلى الله بما لم يشرع . والثاني : الخروج على نظام الدين . ويلحق بهما أصل ثالث : وهو الذرائع المفضية إلى البدعة " انتهى باختصار .
"قواعد معرفة البدع" (ص/18-23) .
أما اعتياد عبادة معينة في زمان أو مكان معين لتيسر ظروف العبادة فيهما ، من غير اعتقاد إلزام ولا مزيد فضل ، فلا حرج فيه ، كمن يعتاد صيام يوم الثلاثاء مثلا لأنه يوم إجازة عن العمل بالنسبة له ، وكذلك من يعتاد قيام ليلة السبت لأنه متفرغ من عمله نهار السبت ، ومثله من يعتاد قراءة القرآن بين المغرب والعشاء لتفرغه ذلك الوقت ، وهكذا أمثلة كثيرة كلها جائزة ؛ لأن شبهة الحدث في الدين منتفية ، وكذلك ليس فيها ذريعة قريبة للإحداث والابتداع .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما رأيكم فيما يفعله بعض الأئمة من تخصيص قدر معين من القرآن لكل ركعة ولكل ليلة ؟
فأجاب :
" لا أعلم في هذا شيئا ؛ لأن الأمر يرجع إلى اجتهاد الإمام ، فإذا رأى أنَّ مِن المصلحة أن يزيد في بعض الليالي أو بعض الركعات ؛ لأنه أنشط ، ورأى من نفسه قوة في ذلك ، ورأى من نقسه تلذذا بالقراءة فزاد بعض الآيات لينتفع وينتفع من خلفه ، فإنه إذا حَسَّن صوته وطابت نفسه بالقراءة وخشع فيها ينتفع هو ومَن وراءه ، فإذا زاد بعض الآيات في بعض الركعات ، أو في بعض الليالي فلا نعلم فيه بأسا ، والأمر واسع بحمد الله تعالى " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (11/335) .
وعليه ؛ فلا نرى عليك حرجا في اعتياد الصدقة في يوم معين لتيسر الظروف فيه دون باقي الأيام ، لا لقصد فضيلة معينة في ذلك اليوم .
والله أعلم .
هل الصدقة أمام ناس لا أعرفهم ولا يعرفونني تعتبر مثل " صدقة السر " ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا:
الصدقة أمام الناس – ولو كان المتصدق غريبا بينهم ، لا يعرفهم ولا يعرفونه – تعتبر صدقة بادية معلنة ، فالإعلان والإبداء لا يشترط فيه أن يكون بين المعارف والأصحاب ، فكل ما أظهره الإنسان فهو معلن .
قال الله تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) البقرة/271 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) أي : إن أظهرتموها فنعم شيء هي ، وقوله : ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم ) فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها ؛ لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به ، فيكون أفضل من هذه الحيثية " انتهى .
"تفسير القرآن العظيم" (1/701) .
والسنة النبوية في هذا الشأن تشعر باستحباب الإخفاء الشديد ، فلا يعلم أحد عن تلك الصدقة ، لا قريب ولا بعيد ، ولا صديق ولا غريب .
تجد ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وذكر منهم : ( وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ) رواه البخاري (660) ومسلم (1031) .
فتأمل هذا الوصف البالغ للإسرار بالصدقة إلى حد إخفائها عن المتصدق نفسه .
وإذا كانت العلة في تفضيل صدقة السر على صدقة الجهر هي البعد عن الرياء ، فإن هذه العلة متحققة في الصدقة أمام الغرباء من الناس ، إذ قد يبعث الشيطان في نفس المتصدق طلب نظر الناس إليه أثناء تصدقه ، ولو كان لا يعرف هؤلاء الناس الذين حوله ، فالنفس تحب نظر الناس إليها نظر الإعجاب والثناء .
وفي إخفاء الصدقة عن الناس مطلقا – القريب والغريب – مصلحة للفقير ، حيث لا يتعرض إلى ذل المسألة أمام الناس ، فيكون ذلك أحفظ لماء وجهه ، وأصون له عن الذل والامتهان ، فإخفاء المتصدق صدقته عن جميع الناس ، وجعلها بينه وبين الفقير فقط أولى وأفضل .
قال القرطبي رحمه الله : " أما المُعْطََى إياها فإن السر له أسلم من احتقار الناس له أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف .
وأما حال الناس : فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم ، من جهة أنهم ربما طعنوا على المعطي لها بالرياء ، وعلى الآخذ لها بالاستغناء " انتهى .
ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله - في فوائد الآية السابقة في سورة البقرة - :
" فيها : تفضيل لصدقة السرّ ؛ لأنّ فيها إبْقاء على ماءِ وجه الفقير ، حيث لم يطّلع عليه غير المعطي " انتهى .
"التحرير والتنوير" (2/466) .
ثم إن في الإسرار بالصدقة مطلقا تربية للنفس على الإخلاص لله تعالى ، واعتياد طلب مرضات الله دائما دون مرضات الناس . والله أعلم